سببت خسائر بشرية ومادية.. الفيضانات والانهيارات الأرضية تجتاح جنوب آسيا

سببت خسائر بشرية ومادية.. الفيضانات والانهيارات الأرضية تجتاح جنوب آسيا
فيضانات

في أيام قليلة فقط، تحولت مساحات واسعة من جنوب آسيا وجنوب شرقها إلى مناطق منكوبة تجرفها المياه وتحتضنها الانهيارات الأرضية، من سريلانكا إلى إندونيسيا وصولا إلى تايلند، تتابعت الكوارث المناخية بوتيرة متسارعة ومرعبة، مخلفة عشرات الضحايا ومئات المفقودين ودمارا واسعا في الطرق والمنازل والبنية التحتية.

المشهد الذي يتكرر كل عام خلال موسم الأمطار الموسمية اتخذ هذا الأسبوع طابعا أكثر قسوة بحسب فرانس برس، وذلك مع توالي أرقام الوفيات والمفقودين التي عكست حجم التأثير الإنساني لهذه الظروف المناخية التي تزداد شدة عاما بعد عام.

سريلانكا في مواجهة الفيضانات

أغلقت الحكومة السريلانكية المكاتب الحكومية والمدارس بعدما ارتفع عدد ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية إلى ستة وخمسين قتيلا، في وقت تضررت فيه أكثر من ستمئة أسرة، وبدأت الأزمة قبل أيام حين بدأت الأمطار الغزيرة بالهطول على مناطق عديدة، لكنها بلغت ذروتها يوم الخميس عندما فاضت الأنهار والخزانات، وجرفت معها المنازل والحقول والطرق.

أشد المناطق تضررا كانت في وسط البلاد، وتحديدا في منطقتي بادولا ونوارا إيليا الشهيرتين بزراعة الشاي، في هذه المناطق وحدها لقي أكثر من 25 شخصا مصرعهم في انهيارات أرضية مفاجئة، بينما لا يزال 21 شخصا في عداد المفقودين، فيما أصيب أربعة عشر آخرون إصابات متفاوتة، ومع استمرار سوء الأحوال الجوية، حذرت السلطات من أن الأرقام مرشحة للارتفاع، خاصة أن الوصول إلى بعض المناطق الجبلية بات شبه مستحيل بسبب انقطاع الطرق.

توقف حركة النقل وتفاقم الخسائر

تسببت الأمطار الغزيرة في فيضان أغلب الخزانات المائية، ما أدى إلى إغلاق الطرق الرئيسية وتعطيل حركة القطارات بعد انهيار أجزاء من السكك الحديدية أو غمرها بالمياه، وتواصل فرق الطوارئ محاولات الوصول إلى المناطق المنعزلة، لكن الصخور والأشجار والطين التي تملأ الطرق تجعل المهمة شديدة التعقيد، ويخشى السكان من مزيد من الانهيارات الأرضية مع استمرار تشبع التربة بالمياه.

إندونيسيا تعيش المأساة الأكبر هذا الأسبوع

وفي الوقت ذاته، شهدت إندونيسيا واحدة من أكثر الكوارث دموية في السنوات الأخيرة، فقد ارتفع عدد الوفيات جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في جزيرة سومطرة إلى 84 قتيلا، بحسب فرق الإسعاف، فيما لا يزال العشرات في عداد المفقودين، المناطق الأكثر تضررا كانت في شمال سومطرة حيث تحدث مسؤولون عن 62 قتيلا و95 جريحا، بينما لا يزال البحث جاريا عن 65 شخصا على الأقل.

السلطات المحلية تواجه صعوبة بالغة في الوصول إلى عدد من القرى والمناطق الجبلية التي انقطعت عنها الطرق وشبكات الاتصال بالكامل، ويقول النطاق باسم شرطة المقاطعة إن فرق الإنقاذ تركز حاليا على إجلاء العالقين وتقديم المساعدات العاجلة، على أمل أن تتحسن الظروف الجوية بما يسمح بتحليق المروحيات التي يمكنها الوصول إلى النقاط الأكثر عزلة.

مدينة سيبولغا كانت الأكثر ألما، إذ تجاوز عدد قتلاها الثلاثين، وفي المقاطعات المجاورة، كما في سومطرة الغربية، أعلنت وكالة إدارة الكوارث وفاة 22 شخصا آخرين، بينما لا يزال 12 في عداد المفقودين. 

أما في إقليم أتشيه القريب من الساحل الغربي فقد أدت الفيضانات إلى تهجير نحو 1500 شخص وانقطاع الكهرباء عن أجزاء واسعة من الإقليم، وبدأت فرق الكهرباء الحكومية في إرسال فرق لإعادة تشغيل الخطوط بعد سقوط برج ناقل للطاقة بسبب السيول.

تايلند تواجه كارثة إنسانية في الجنوب

وفي جنوب تايلند، لم يكن الوضع أقل قسوة، فقد أعلنت السلطات ارتفاع حصيلة الوفيات إلى 55 قتيلا بعدما غرقت مناطق واسعة من الإقليم الجنوبي تحت مياه الفيضانات، وأظهرت المشاهد التي خرجت من مدينة هات ياي الملاصقة للحدود الماليزية أحياء كاملة غارقة حتى أسطح المنازل، ما أجبر السكان على الصعود إلى أعلى المباني أملا في النجاة.

أعلنت مستشفى سونغكلا أن المشرحة الرئيسية تجاوزت طاقتها بالكامل، وأنها تحتاج بصورة عاجلة إلى شاحنات مبردة لحفظ الجثث، وأظهرت صور إعلامية وقوف شاحنات بيضاء مبردة أمام المبنى الطبي لتخفيف الضغط الهائل على المرفق الصحي. 

ومع تفاقم الأزمة، أعلنت الحكومة تعليق مهام رئيس منطقة هات ياي بعد اتهامه بالفشل في اتخاذ إجراءات كافية قبل تفجر الكارثة.

عبء المناخ المتغير واستنزاف قدرات الدول

في الدول الثلاث، يتكرر المشهد ذاته مع اختلاف الأرقام؛ أمطار موسمية تفوق قدرة الأرض على الامتصاص، وبنية تحتية عاجزة عن مواجهة الضغط المفاجئ، وقرى تتعرض للانهيارات الترابية، وسكان يفقدون منازلهم وأحبتهم في ساعات قليلة، ويؤكد خبراء المناخ أن هذه الظواهر أصبحت أكثر تكرارا وحدة في السنوات الأخيرة، مدفوعة بالاحترار العالمي الذي يزيد من كثافة هطول الأمطار ويغير أنماطها على المستوى الإقليمي.

ورغم أن معظم دول جنوب وجنوب شرق آسيا معتادة تاريخيا على موسم الأمطار الموسمية بين يونيو وسبتمبر، فإن التقلبات المناخية تجعل الفيضانات أكثر عنفا وتسبب أضرارا تتجاوز قدرة الحكومات على التعامل معها في الوقت المناسب، ويقول مسؤولون محليون إن ارتفاع عدد السكان في المناطق الجبلية والزراعية يزيد من خطورة الانهيارات الأرضية التي عادة ما تبتلع المنازل في لحظات دون سابق إنذار.

معاناة إنسانية متصاعدة

وراء الأرقام، تتكشف معاناة إنسانية كبيرة يعيشها الناجون والمشردون، في سريلانكا، قضت عائلات بأكملها ليلها على أسطح المنازل أو في مدارس تحولت إلى مراكز إيواء مؤقتة. 

وفي إندونيسيا، تنقل فرق الإنقاذ الأطفال وكبار السن على قوارب مطاطية وسط مياه ترتفع بوتيرة سريعة، أما في تايلند، فقد شوهد سكان هات ياي يقفون أعلى أسطح المنازل وينادون فرق الطوارئ لإنقاذهم بينما المياه تواصل الارتفاع.

وتزيد صعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة من حجم المعاناة، حيث تتأخر المساعدات الغذائية والطبية، وتتراجع قدرة المستشفيات على استقبال المزيد من الجرحى، كما تتزايد المخاوف من انتشار الأمراض المنقولة بالمياه بسبب تلوث مصادر الشرب في القرى الغارقة.

الاستجابة الحكومية بين الضغط والانتقاد

اتخذت الحكومات في الدول الثلاث إجراءات عاجلة لإغلاق المدارس والمكاتب الحكومية وتعليق حركة النقل لحماية السكان، إلا أن الانتقادات لم تتوقف، وتركزت السيناريوهات المطروحة على ضعف الاستعدادات وانخفاض كفاءة إدارة المخاطر، ففي تايلند، أدى هذا الغضب إلى إقالة مسؤولين محليين، بينما دعت منظمات إغاثية في إندونيسيا إلى مراجعة خطط مواجهة الكوارث في المناطق الجبلية المعرضة للانهيارات.

ومع كل كارثة جديدة، يرتفع السؤال حول مدى كفاية الخطط الوطنية للتعامل مع كوارث الطقس المتفاقمة، وحول قدرة هذه الدول على تحديث البنية التحتية وتوفير أنظمة إنذار مبكر أكثر فعالية، ويعتقد الخبراء أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى استثمارات أكبر في حماية البيئة وإدارة المياه وتعزيز جاهزية المجتمعات المحلية للتعامل مع الظروف الطارئة.

تقع سريلانكا وإندونيسيا وتايلند ضمن النطاق الجغرافي المتأثر بقوة بالرياح الموسمية التي تهب على المنطقة سنويا بين يونيو وسبتمبر، وتؤدي عادة إلى هطول أمطار غزيرة قد تتسبب في فيضانات وانهيارات تربة، وتعاني المناطق الجبلية في سومطرة وسريلانكا من هشاشة التربة وتعرضها الدائم للانزلاق مع تشبعها بالمياه، كما أن التحضر السريع والضغط السكاني يسهمان في زيادة خسائر الكوارث، إلى جانب ضعف البنية التحتية والصرف الصحي وشبكات الإنذار المبكر، ويشير علماء المناخ إلى أن ارتفاع درجات الحرارة عالميا يؤدي إلى زيادة تبخر المياه ومن ثم تكثيف هطول الأمطار على شكل موجات قصيرة وعنيفة، ما يجعل هذه الكوارث أكثر تكرارا ودمارا مقارنة بالعقود الماضية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية